Saturday, September 17, 2005

أم جدتي


لازلت حتى الآن أذكر أم جدتي.
ربما كنت في الخامسة أو السادسة من عمري. لا أذكر منها سوى امرأة نحيلة جدا متشحة بالسّواد راقدة على السرير النحاسي الضخم ذي الأعمدة. كانت جدتي تذهب إليها يوميا في البيت القديم لخدمتها والوقوف على طلباتها، وتأخذني معها لألعب هناك في الساحة الواسعة للبيت، ولتخلّص أمي مني قليلا، وبعد أن تنتهي تأخذني وننصرف.
لازلت أذكر أيضا ذلك البيت العجيب الذي هُدم منذ زمن وصارت مكانه عمارة ضخمة الآن. السقف هائل الارتفاع ربما ما بين خمسة وستة أمتار. النوافذ عالية جدا قرب السقف وملونة ونورها يضفي جوا شاعريا على البهو الضخم. كل شيء خشبي وكل شيء قديم وكل شيء مترب.
لم أكن أحب أن أذهب هناك. تيتا الكبيرة مريضة وكسيحة وراقدة على السرير وشكلها مخيف، وتيتا الصغيرة تعاني في خدمتها وفي الاعتناء بشئون المنزل، بخلاف أعبائها الأخرى في منزلها هي شخصيا. في المرة الأخيرة التي ذهبنا فيها استقبلت تيتا الكبيرة تيتا الصغيرة بالنكران. انت مين؟ أنا ماليش بنات بالاسم دة! أنا ما خلفتش! فزعت تيتا الصغيرة من الموقف وظلت تحاول أن تذكّر تيتا الكبيرة بها، إلأ أن تيتا الكبيرة استمرت في النكران.
أعتقد الآن أن هذا كان نوعا من العتاب القاسي لكون تيتا الصغيرة تأخرت على الكبيرة في المرة السابقة، إلا أنني ظننت وقتها أن تيتا الكبيرة قد فقدت الذاكرة أو جنت!
تضايقت من هذا الموقف. بعد أن عدنا، وبعد أن دلفت إلى السرير وقبل أن أنام، نظرت إلى فوق وقلت: يا رب تيتا تموت علشان تيتا ترتاح منها!
ونمت.
في الصباح عرفت أنها ماتت.

8 comments:

Pianist said...

انا مريت بنفس الاحداث دي تقريبا
البيت اللي كنت بحبه اوي هايبقي عمارة كبيرة قريب
مش عارف ليه الجدات دول دايما مهمين في حياتنا مع انهم مش بيعملوا حاجة مهمة

Michel Hanna said...

اقتراح وجيه وعنوان ظريف، إلا أنني لم أفكر في الأمر بكوني قتلتها، بل فكرت أن الله يستجيب بسرعة للأطفال وأن عليّ أن أكون أكثر حرصا في صلواتي القادمة!
لكن الأمر لم يخل فعلا من تأنيب ضمير. وقد شعرت بكوني مسئول إلى حد ما عن الذي حدث ولم أجرؤ أن أخبر أحدا بهذه الحكاية حتى الآن.

Michel Hanna said...

اقتراح وجيه وعنوان ظريف، إلا أنني لم أفكر في الأمر بكوني قتلتها، بل فكرت أن الله يستجيب بسرعة للأطفال وأن عليّ أن أكون أكثر حرصا في صلواتي القادمة!
لكن الأمر لم يخل فعلا من تأنيب ضمير. وقد شعرت بكوني مسئول إلى حد ما عن الذي حدث ولم أجرؤ أن أخبر أحدا بهذه الحكاية حتى الآن.

mindonna said...

بما أن الأطفال أحباب الله ، فغالبا بتكون دعاويهم مستجابة
عشان كده يمكن بيطلبوا من الطفل أنه يدعي لما بيكونوا عاوزين يدعو دعوة

بس حتي لو كانت دعوتك هيا اللي قتلت فموتها كان نعمة ، لأنك ريّحت ناس كتير من الموتة دي و أولهم أم جدتك ذات نفسها!!

Anonymous said...

أقول لطفلتي إذا الليل برد
وصمت الربا ربًا لا تحد
نصلي فأنت صغيرة
وإن الصغار صلاتهم لا ترد

من أغنية أقول لطفلتي - فيروز

MariannE_N said...

ااااه نهايه صادمة بجد

Michel Hanna said...

ماريان: صادمة فعلا، بس ده الللي حصل فعلا!

MariannE_N said...

طاب وبعدين انا كدة اتفزعت على تيتة بتاعتى انا
بالرغم من كل شىء ... بردو دى تيتة
:-)