Tuesday, December 06, 2005

اللذة


ما هي السعادة؟ ما هي اللذة؟ هل السعادة هي الحصول على اللذة؟ ما هي أقصى لذة يمكن أن يحصل عليها الإنسان دون مساعدة عوامل خارجية، كالمخدرات مثلا؟
لعل اللذة الجنسية هي أعظم لذة يمكن أن يصل إليها الإنسان، وهي تمثل مصدر سعادة للفقراء والأغنياء على السواء، وربما تمثل هذه المتعة أهمية أكبر لدى الفقراء، لأنها إحدى متعهم المجانية القليلة.
وضع لنا الله اللذة في الأعصاب الحسية في أعضائنا الجنسية، وصمّمَ لها نظاما فائقا تشترك فيه كل الحواس ومعظم الأعضاء التي أهمها المخ، ثم منعنا من استعمال هذا النظام إلا وفقا لقواعد معينة. مطلوب منا أن نسيطر على فوران الهرمونات هذا.
هناك ما يسمى بالتفسير الرمزي للكتاب المقدس، وهو تفسير يقوم على فرضية الرموز، وأن كل ما هو مكتوب ليس من الشرط أن يشير لشيء حقيقي وإنما يرمز لشيء ما. يقول هذا التفسير أن الخطيئة التي طرد بسببها آدم وحواء من الجنة لم تكن بسبب أكل ثمرة محرمة حقيقية (بالمناسبة لم يقل الإنجيل أبدا أن الثمرة المحرمة كانت تفاحة كما يترسب في وعينا الجمعي جميعا، وأعتقد أن القرآن أيضا لم يقل شيئا عن التفاح)، وإنما كانت خطيئة زنا.
لنر الآن كيف يسير الأمر: جنة عدن ليست جنة حقيقية. الشجرة المحرمة الموجودة في وسط الشجرة هي أعضاء الإنسان الجنسية الموجودة في وسط جسمه. الثمرة المحرمة الموجودة في الشجرة هي اللذة الجنسية. تناول آدم وحواء من الثمرة المحرمة يعني وقوعهما في الزنا.
ليس هذا التفسير مقبولا في معظم الطوائف المسيحية، إلا أنه مثير للاهتمام.
لماذا يعطينا الله اللذة والمتعة في أجسادنا وينهينا عنها؟
ربما كان هذا جزءا من اختبار الله للإنسان، على اعتبار أن وجودك في الدنيا ليس سوى فترة اختبار يتحدد على نتيجته مصير انتقالك إلى مكان أفضل (في حالة النجاح في الاختبار)، أو أسوأ (في حالة الرسوب).
الحصول على هذه اللذة العصبية في الحياة الدنيوية مرتبط بممارسة طقوس تسمى الزواج، هذه الطقوس تتم في إطار اجتماعي مؤسسي وفي جو من العلنية والإشهار. هذه الطقوس تلزم الإنسان بالالتزام في لذته مع شخص واحد فقط (أربعة في الإسلام بالنسبة لنصف البشر ممثلا في الذكور). ثم أن هذا الطقس تعقّد اجتماعيا بإضافة الكثير من المستلزمات والالتزامات والمظاهر المكلفة ماديا، فأصبح طقسا صعب التحقق لمن لم يمارس عملا لسنين طويلة يجمع فيها المال من أجل الحصول على اللذة في النهاية، ربما بعد أن يكون قد فقط اهتماماته الجنسية أساسا (ينصح بعض الأطباء المساجين بممارسة الاستمناء للحفاظ على صحة نفسية وعلى أساس أن الأعضاء غير المستعملة يصيبها الضمور). حل الغرب هذه المشكلة وأطلق كلمة الزنا على الجنس الذي يمارسه المتزوج خارج إطار الزوجية، بينما لم يعتبروا جنس ما قبل الزواج زنا. هل هذا هو الحل الذي جعلهم يلتفتون إلى أعمالهم (بتخلصهم من هذه المشكلة المؤرقة) ويصلوا إلى هذه الدرجة من التقدم العلمي؟ (كان أنيس منصور ينادي بإطلاق الحرية الجنسية في مقالاته بالأربعينات حتى يلتفت الشباب إلى ممارسة العمل والإنتاج).
كانت خطيئة الزنا هي الخطيئة الأعظم، دينيا واجتماعيا وجنائيا. وكانت الدعارة هي المهنة الأقدم في التاريخ. هناك لذة يريد الجميع الحصول عليها، لكن كان من المفروض ألا يحصلوا عليها.
الله وضع هذا النظام/ الاختبار ولسنا قادرين على الاعتراض عليه، ليس فقط كنوع من الالتزام الأخلاقي الديني، بل أيضا لمحدوديتنا غير العادية. فلا يستطيع المحدود أن يجابه غير المحدود. الله أيضا ليس في حاجة إلينا بل نحن في حاجة إليه ("لسْتَ محتاجا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى رُبوبيّتِك" كما يقول القداس الإغريغوري)، هل يستطيع الإنسان أن يحاج الله؟ هل يجيبه بواحد من ألف؟ وهل يجب أن نعذب أنفسنا دنيويا من أجل فرضية الاختبار هذه؟ والتي ستقودنا حتما إلى السؤال الذي يليه: هل الله موجود؟
إذا كان لابد لهذا الكون المضبوط هندسيا من مهندس يضبطه فهو موجود. في فيلم الماتريكس رمز الأخوان واتشوسكي إلى الخالق بالمهندس المعماري. كان هذا تشبيها موفقا جدا فلا يمكن تخيل الله في مهنة سوى مهنة المهندس، فالطبيب مثلا يقتصر عمله على الإصلاح مثله مثل ميكانيكي السيارة أما المهندس فمهمته الخلق.
حسنا، الله يعدك باللذة والمتعة إذا قاومت اختبار اللذة التي وضعها لك ونهاك عنها. إنه اختبار صغير/ كبير عليك أن تجتازه. وكما يقول باسكال الفيلسوف، فإن الإنسان الذي يراهن على وجود الله لهو في رهان رابح، لأنه إذا لم يكن هناك إله فلن يخسر شيئا، إما إذا كان هناك إله فسيحصل على ما يعد به المؤمنين، أما الذي يراهن على عدم وجود الله فهو في رهان خاسر، لأنه في الحالة الأولى لن يخسر أو يكسب شيئا أيضا، لكن في الحالة الثانية سيخسر كثيرا. وباستعمال حسابات المكسب والخسارة يتضح لنا أيهما هو الرهان الرابح.
مادمنا سنختار الرهان الرابح فلا بأس من التخلي عن اللذة إلى حين.

11 comments:

Michel Hanna said...

أحيانا يكون شرح الأمور لسكان المريخ مفيدا، يجعلك ترى الأمور من الخارج بصورة أوضح.

wmn said...

الحقيقة باسكال ده عبيط ..
اللي بيراهن على وجود الله و يقيد نفسو مع انو مفيش اله ، بيخسر الحاجة الوحيدة اللي كانت بين ايديه و هي الدنيا ..

كالعادة محدش بيدقق في وجهات النظر !

Michel Hanna said...

لازالت وجهة نظر باسكال هي الأصح، لأنه بنى وجهة نظره بالنسبة للأبدية أو الحياة الأخرى وهي لا تقارن بحال في مدتها بالدنيا.

wmn said...

ده لو كان فيه اله و حياة ابدية ، انما لو مكانش فيه اله و ما بعد الحياة هو عدم ، فان الحياة تظل قيمة موجبة ، بينما فترة العدم هي قيمة غير موجودة ، اللي بيرمزولها رياضيا برمز ( فاي )

يبقى اللي مقيدش نفسو و عاش حياة ماجنة و عابثة استفاد ، و اللي مقيد نفسو بالدين خسر كل المتع و اللذات اللي كان ممكن يحصل عليها بطرق غير شريفة في وقت مختصر بدل وجع القلب على المدى المطول !

تحياتي يارفيق !

SaSo said...

"مادمنا سنختار الرهان الرابح فلا بأس من التخلي عن اللذة إلى حين"

بعد ايه,خلاص

وليه متقولش ان الغريزه/المحرمه دى خلقت قويه جدا لدرجه تخليك تسعى لاشباعها-ده بالحلال طبعا- بشتى الطرق وبذلك يتحقق المراد والشغل وتعمير الكون,بلاش افتراض سوء النيه :)

بس سيبك طالما الموضوع مطلعش موضوع تفاح كويس ان ادم وحوا سابو الجنه

wmn said...

و ليه منقولش ان اللذة / الغريزة المحرمة / الرغبات الشريرة على نحو تدمير الدنيا و خلافو موجودة لكي نتقدم بالكون نحو نهايته ؟

الاستاذ ماسكد تايجر ، خليك انت على جنب و النبي يا عمو ..

mindonna said...

بوست ظريف يا ميشيل ..فيها تفكير

هو الجنس دائما بيتولد منه أجيال أخري ، بمعني عدم فناء البشرية ،يعني الله أوجد سر خلود البشرية في اللذة الجنسية ..يبقي أكيد هي مش حاجة محرمة أو سيئة

بس طبعاً استغلالها بالصور السيئة هي اللي بتؤدي للكوارث ..بأن انتشار الجنس أدت إلي بلاوي مسيحة لا أول لها و لا آخر من أبناء غير شرعيين ، أمراض معدية ،طبائع سيئة ، موات النفس الخ الخ

الله أوجد في الدين سر سعادة البشر ، ازاي عيشوا مرتاحين ، حتي الجواز خلا المهر أقل ما يمكن ربع جنيه - و مش شرط تقاليد بلدنا تتوافق مع الدين طبعا-
و الراجل علشان خاطر عينيه الزايغة سمحله بأنه يتجوز بدل الواحدة أربعة ..بس مع المساواة بينهم

بس باين البشر مش عايزين يرتاحو
و بصراحة اللي مش مؤمن بالله في نظري
يا بيعند ..يا مبيفهمش

Michel Hanna said...

السؤال بتاعي كان: لماذا يخلق لنا الله اللذة وينهينا عنها؟ وده سؤال شبيه جدا بسؤال لماذا خلق الله الشر؟
الأديان القديمة حلت المشكلة دي بإنها عملت إله للخير وإله للشر. ما علينا من موضوع الشر ده دلوقت. ربما كانت اللذة فعلا شيء ضروري للاقتران بالجنس وذلك للحفاظ على النوع والنسل، لأنه لو كان الجنس عملية مؤلمة ومقرفة فلن يكون هناك داع لممارسته وبالتالي تنقرض الأنواع.
المشكلة أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي لا يمارس الجنس من أجل التناسل كباقي الكائنات التي لها دورات جنسية تمارس فيها التناسل بينما تظل عاقلة وراسية في باقي السنة. الإنسان مش كده!!

Michel Hanna said...

أتحفونا بالمزيد من آرائكم الهدامة/ البناءة.

Anonymous said...

فعلا الانسان حيوان.....
بس دة الانسان اللى فعلا بيبحس عن اللذة و بس لدرجة انه يتزوج فقط لهذا الهدف برغم خسارته امواله الذى ادخرها و المسئوليات هذا هو الحيوان الحقيقى
والافظع يتسأل لماذا الله خلقها لنا ليحرمها؟

Anonymous said...

اسفة على النقد بس دة ممارسة للحرية الفكرية و بصراحة المقال يعبر عن فكرة مريضة