Tuesday, September 29, 2009

أن يأكل الإنسان نفسه

أن يأكل

"عندئذ، رفعت ذراعي المصابة إلى فمي، وبدأت آكل نفسي".

كانت هذه هي الجملة الأخيرة من رواية (اللجنة) لصنع الله إبراهيم. كانت اللجنة قد حكمت على بطل القصة بأن يأكل نفسه، نظرا لطموحه الزائد الذي تجاوز إمكانياته، وسعيه المهووس وراء المعرفة، وتهوره في تحدي اللجنة.

هذه النهاية المأساوية ليست خيالية جدا، وغير بعيدة الحدوث في الواقع، فهناك حالات عديدة يحدث فيها أن يأكل الإنسان أو الحيوان نفسه، أو بمعنى أدق أجزاء من جسده، وهذا هو ما سننظر إليه في هذه السطور.

يُطلق على أكل الكائن لأجزاء من جسده الكانيباليزم الذاتي. أما الكانيباليزم فهو أن يأكل الكائن كائنا من نفس جنسه. كما يحدث في حالة القبائل من أكلة لحوم البشر، وكما يحدث عندما تأكل الحيوانات جثث موتاها الذين ينتمون إلى نفس النوع.

نبدأ بعالم الحيوانات، حيث يقوم الحيوان المعروف بالجدجد أو صرصار الليل بأكل أجنحته، كما أن الفأر يأكل ذيله في حالة الجوع الشديد. ويصاب حيوان الأخطبوط أحيانا بمرض بكتيري أو فيروسي يجعله يشعر بحكة شديدة في أذرعه حتى أنه يأكلها ليتخلص منها. لكن في حالة الأخطبوط من السهل أن ينمو له أذرع أخرى بعد ذلك. أسماك القرش أيضا قد يحدث لها شيء كهذا إذا أصيبت وخرج منها الدم، فالقرش يصاب بالجنون إذا شم رائحة الدم حتى أن القرش يحاول أن يأكل نفسه، جنبا إلى جنب مع زملائه من القروش الذين سيهجمون عليه لالتهامه! وقد وصف بيتر بنشلي هذا المشهد بالتفصيل في روايته الفك المفترس.

وبعيدا عن الحالات المرضية فإننا كأشخاص عاديين نمارس الكانيباليزم الذاتي حين نقضم أظافرنا ونبتلعها، أو حين نعض على شفاهنا أو نقشرها بأسناننا ونبتلع القشور، أو حين نأكل الزوائد الجلدية عند الأظافر. والجسم البشري نفسه يقوم دائما بامتصاص الخلايا الميتة من اللسان والخد مما يعد أيضا نوعا من الكانيباليزم الذاتي.

هناك حالات مرضية تؤدي بالشخص إلى التهام أجزاء من جسده، مثل متلازمة "ليش – نيهان"، وهو مرض وراثي نادر يؤدي بالمصاب إلى أن يقضم شفتيه ولسانه وأظافره بحركات عصبية.

وهناك أيضا حالات لبعض الناس الذين يأكلون شعر رأسهم، ويطلق عليها متلازمة رابونزيل، ورابونزيل بالمناسبة هي بطلة لإحدى قصص الأخوان جريم والتي كانت محبوسة في برج عالٍ وتدلي شعرها من البرج ليصعد عليه حبيبها!

هناك أشخاص أصحاء يمارسون الكانيباليزم الذاتي بإرادتهم، مثل الأشخاص الذين يشربون دمهم في طقوس الفامبيريزم، وبعض الأمهات اللواتي تأكلن المشيمة بعد الولادة كما تفعل الحيوانات، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يشربون البول الخاص بهم، ومنهم أفراد الصاعقة في الجيوش الذين ينفعهم هذا الأمر في حالات الحروب والأسر والضياع في الصحراء ويحافظ عليهم أحياء، وأيضا الذين يتبعون قاعدة الدكتور "راو" الذي يقول أن قيام الإنسان بشرب كوب من بوله الشخصي كل صباح له فوائد صحية لا تحصى!

وهناك أيضا الذين مارسوا الكانيباليزم الذاتي رغما عنهم كجزء من عمليات التعذيب أو أثناء الأسر في الحروب. ففي عام 1991 في السودان تم إجبار بعض الشباب على أن يأكلوا آذانهم، ويقال أن المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا في القرن السادس عشر كانوا يجبرون الهنود الحمر الأسرى على أكل أجزائهم الحميمة، وفي التاريخ هناك شخصية تدعى "إليزابيث باثوري" عاشت في القرن السادس عشر كانت تجبر خدامها على أكل لحمهم. وفي فيلم هانيبال لأنتوني هوبكنز شاهدنا الدكتور هانيبال ليكتر وهو يقوم بقلي أجزاء من مخ ضحيته ويطعمه إياها بالملعقة، في واحد من أبشع المشاهد التي يمكن مشاهدتها في تاريخ السينما!

18 comments:

strategicalone said...

اية يا راجل الكلام الشديد دة
انت لازم التشريح مأثر عليك جامد
وعلى فكرة ان الجزء بتاع الدكتور هانيبال اللى اطعم الطفل جزء من بقايا مخ انسان دة كان اصعب مشهد علق بذهنى سنة 2001, فشكراً على تذكيرى بية وانا ماصدقت نسيتة
تحياتى

Unknown said...

حاسس إني عاوز أرجع

ميشيل مجدى said...

وأنا كمان عاوز أرجع

ميشيل مجدى said...

أمال لو شفت مجموعة الأفلام المقرفة المعفنة اللى أعطاها ليا دكتور ميشيل
- لا وبيقول عليهم تحف سينمائية

Unknown said...

مش اللي كتب عنه هنا:
http://mostanqa3at.blogspot.com/2007/05/blog-post_15.html

ماانا قريت المقالة وكنت عاوز أرجع برضه
:-)

Oss said...

عود أحمد بعد غياب طال
:D

بغض النظر عن حالة الإشمئزاز
لكن المقال كالعادة متكامل أسلوباً ومعلومةً ولغةً وعرضاً

دكتور ميشيل
:D
أبوس إيدك ماتغيبش تانى
أنا بستنى مقالاتك هنا وعلى بص وطل بفارغ الصبر

تحياتى

أحمــــــــدبــــــــــلال said...

كل دى حالات قئ فى بوست واحد
غريبة جداً
بالرغم من أن من شاهد أفلام
SAW
السلسلة الكاملة لتأكد أن كل هذا شئ بسيط جداً
كلام علمى ربما مقزز أو صادم بعض الشئ لكنه حقيقى
و أعتقد أنه يوجد فيديوهات تسجيلية لحالات من الكانيبالزم حقيقية

ميشيل مجدى said...

إلى أحمد على القراءة حاجة و المشاهدة حاجة تانية خالص

ميشيل مجدى said...

إلى دكتور ميشيل (هو حضرتك بتكتب على بص وطل - وأنا معرفش )وعمال بس تقولى صديقى - شكرا

MariannE_N said...

أنا بجد مش عارفة أعبر عن اعجابى بالمقالة دى بالشكل الكافى، أنا كنت متخيلة انى مش هاحب اسلوب تانى غير أسلوب دكتور أحمد خالد توفيق لكن فعلا اسلوبك بسيط جدا ومعبر جدا
كمان المقالة والفكرة نفسها شيقة جدا

غريبة أنا ماجاليش احساس بالترجيع :-) أنا كان عندى فضول أكملها وأعرف أكتر

محمد ناصر الدين الهلالى said...

المقال ده فى الجول يادكتور ميشيل اكتر من رائع ومعلومات علمية جديدة عليا بجد واسلوب عرض فوق الممتاز تحية ليك من القلب وعلى فكرة انا اظن انى قريتلك مقال فى العربى بتاع سبتمبر عن الفرق بين كتاب الغرب وكتاب السجون عجبتنى جدا جدا لو كنت اللى كاتبها يعنى

Michel Hanna said...

ستاراتيجيكالون: أي خدمة، ممكن نفكرك بشوية مشاهد تانية في البوست الجاي :)

Michel Hanna said...

أحمد علي وميشيل مجدي: سنقوم بتوزيع قرص موتيليوم مع كل بوست لاحقا

Michel Hanna said...

أوس: شكرا ليك يا صديقي

Michel Hanna said...

أحمد بلال: ياريت تدلنا على الفيديوهات دي لو موجودة

Michel Hanna said...

ميشيل مجدي: أيوة يا صديقي :)

Michel Hanna said...

ماريان: شكرا جزيلا ليكي، أثلجت صدري :)

Michel Hanna said...

المعلم برعي: شكرا ليك وتقبل تحياتي القلبية