Friday, January 08, 2010

محاولة لتشريح هيثم دبور!

567089

هناك بطل جديد، شخصية جديدة اكتسبت إعجابا كبيرا وشعبية فائقة خلال فترة قصيرة جدا. إنه هيثم دبور. الشاب الستايل ذو الشعر الضخم، والذقن غير الحليقة، قوي البنية وممتليء الجسم قليلا، والذي يمثل موسوعة كاملة لفنون الصياعة والروشنة!

لعلها المرة الأولى التي يتعاطف فيها الجمهور المصري مع شخصية برجوازية. هيثم دبور ليس فقيرا، إنه غني ومرفه وليس مطحونا ككل أبطالنا السابقين، إنه ليس جاهلا تماما وغبيا كاللمبي، بل هو ذكي ولديه حد لا بأس به من التعليم، هو ليس قليل الحيلة كاسماعيل ياسين، وإنما يستطيع ابتكار حلول غير تقليدية للمشاكل التقليدية، هو ينطق الإنجليزية كأهلها ولا يتخذ عملية نطق الألفاظ الإنجليزية بطريقة خاطئة كوسيلة للإضحاك كما يفعل كل من سمير غانم وعادل إمام على مدى تاريخهما السينمائي، بل الغريب أنه يتخذ من النطق اللغوي الخاطيء للغة الإنجليزية الذي تمارسه بطلة فيلم إتش دبور مصدرا لاذعا للنقد، حتى على مستوى خطأ نطق يقع فيه معظم الناس هو الفرق بين الـ B والـ P. من الغريب أن الأمور انعكست تماما بين خصائص الأبطال القدامى وبطلنا الجديد.

ولأول مرة يتم تقديم شخصية الشاب الغني المرفه بعيدا عن نموذج الشاب الرقيع المخنث، أو نموذج "ميمي" الذي بدأ مع فيلم إشاعة حب عام 1961، واستمر مع السينما المصرية – بل والمسلسلات التليفزيونية أيضا – على مدى التاريخ اللاحق.

1220028331

ظهر هيثم دبور للمرة الأولى في حلقات مسلسل السيت كوم تامر وشوقية، وعلى الفور لفت الانتباه، ليتم استغلاله في فيلم عادل إمام (مرجان أحمد مرجان)، وفي الإعلانات الأولى لشركة اتصالات، ثم ينطلق هيثم دبور ليحصل على البطولة المطلقة في الفيلم الذي يحمل اسمه، ثم يظهر مرة أخرى كضيف شرف في فيلم (طير انت).

هيثم دبور هو تركيبة غريبة وشديدة التفرد لا تشبه أي شيء سبقها، سواء على المستوى المحلي أو الأجنبي.

اللغة عند هيثم دبور تتميز بثلاث خصائص مميزة. أولا هو شاب روش طحن وصل إلى آخر حدود الروشنة. هو يرى أن كلمة روش طحن صارت قديمة جدا لذا فمن الأفضل أن نصفه بأنه شاب جامد جدا آخر حاجة، أو آخر حاجتين ثلاثة على حد تعبيره في طير انت. لدى دبور آخر المصطلحات الشبابية، حتى أن الكثير منها يظل غير مفهوم بالنسبة لشخص مثل العبد لله بسبب حداثتها المفرطة، لكن ليس هذا هو كل شيء. الشيء الثاني هو أنه ينطق الإنجليزية كأهلها كما قلنا سلفا، كما أنه مطلع على أحدث المصطلحات الروشة كما ترد في العامية الأمريكية. إن روشنة هيثم دبور لا تقف عند الحدود المحلية، ولكنها أيضا عابرة للقارات، وهي تمتزج أيضا بأحدث مصطلحات الكمبيوتر والإنترنت. الشيء الثالث المميز هو أنه يستطيع أن يتحدث أيضا بكل المصطلحات الشعبية على اختلاف أنواعها بما في ذلك أكثرها انحطاطا (الأمر الذي قد يبدو غريبا لأن نشأته لا تؤهله لذلك). وهو يمزج كل هذا في طريقة إلقاء مرحة شديدة التعالي والثقة بالنفس. تظهر هذه التركيبة اللغوية الدبورية الغريبة في الجملة التي يقولها في فيلم إتش دبور لسائق التاكسي: " بص يا ماو.. أنا ابن ناس جدا جدا.. لاreally really ابن ناس.. بس الزمان لطّني..so أنا آسف جدا في الحركة الواطية اللي هاعملها فيك دلوقت"!

هناك أيضا نبرة الحديث، تون الصوت، هذه البحة الظريفة، مستوى الصوت الذي يرتفع فجأة أثناء الحديث للتأكيد على كلمات معينة. وأيضا تعبيراته التي صارت علامة مسجلة، مثل "يو يو يو" و"بسلطاته وبابا غنوجه" و"beautiful"، هو أيضا يقوم بتطويع كل الأمور وفقا لمنطقه الخاص، يستعمل مصطلحات المثقفين شديدة التقعر أحيانا مثل "اخرجي من دايرة وجودي" أو "انت حركاتك أفعوانية"، ويقوم بتحوير الكثير من المصطلحات البذيئة سواء العربية أو الأجنبية ليضمها إلى حديثه، مراهنا أن جمهوره المستهدف من الشباب يستطيع أن يفهمه، لهذا نجد أن معظم كلامه غير مفهوم بالنسبة للأجيال الأكبر سنا، حتى أنه غير مفهوم بالنسبة للرقابة نفسها، والتي مرّ كل هذا الكلام البذيء من تحت أنفها!

30339e1d1a

وبعيدا عن اللغة المنطوقة، فإن هيثم دبور متميز جدا من ناحية لغة الجسد، فله مجموعة من الحركات الشهيرة التي تصاحب حديثه، مثل ضم أصابع السبابة والوسطى (ومعناها علامتي تنصيص أي جملة اعتراضية)، وتحريك الكفين بطريقة عرضية أمام الصدر، وتكرار ضم أصابع اليد مقابل الإبهام (ومعناها لت وعجن أي كلام كثير بلا معنى)، وهز الرأس بطريقة معينة، ورفع حاجب واحد عند الدهشة (بطريقة مختلفة عن طريقة عادل إمام)، وغيرها من الحركات التي صارت ماركة مسجلة للشخصية. هناك أيضا قدرته البارعة على الرقص، فهو يستطيع أن يقلد معظم حركات مايكل جاكسون ببراعة، وحركات مطربي الراب والهيب هوب، وجسمه العضلي القوي يساعده في تشكيل الصورة.

817290

لا أدري لماذا يود أحمد مكي التخلص من هيثم دبور بهذه السرعة.

لعل أحمد مكي يغار من هيثم دبور غيرة شديدة، ويتمنى له الزوال، لذا صار يؤكد الظهور برأس صلعاء في وسائل الإعلام بشكل هو النقيض الكامل لهيثم دبور ذو الشعر الكثيف الضخم. حتى أنه ينعاه في أغنيته (كل زمان) بقوله: "الله يرحمك يا دبور.. يا ترى لو كنت عايش كنت حترد وتقول إيه؟".

في ظني أن هيثم دبور يستحق سلسلة أخرى من الأفلام على غرار سلسلة أفلام اسماعيل ياسين التي تم تقديمها في الخمسينات والستينات. لاشك أن هذه القماشة المميّزة لازالت تتسع للكثير من الأثواب.

15 comments:

H. M. H. said...

مقال ممتاز - كالعادة - يا دكتور ميشيل - يُخيل لي أنه سيكون في كتاب [هاستا مانانا]، أو أنني أخلط الأشياء.
شاهدت فيلماً وحيداً لشخصية هيثم دبور، وأعتقد أن عنوانه [إتش دبور] أو شيء من هذا القبيل. ولفتت شخصية إتش دبور نظري بوصفها شخصية مختلفة عن النماذج السينمائية المحفوظة. لكن هذه أول مرة أقرأ فيها تحليلاً تأريخياً معمقاً للشخصية.
استمتعت كثيراً بهذا العرض الشيق، واستفدت منه. أتفق معك في معظم ما ذهبت إليه، إلا أنني أرى ما يراه أحمد مكي، فصحيحٌ أن شخصية هيثم دبور صالحة لمزيدٍ من الاستغلال السينمائي، غير أنها ستأسره فيها إلى الأبد، ولن يستطيع منها فكاكاً، ما يعني حرفياً: القضاء على أحمد مكي.
أعتقد أنه قتل دبور ليعيش.

خالص تحياتي ومودتي، وكل سنة وانت طيب.

Nadin said...

دكتور ميشيل انا متابعة مدونتك من سنة تقريبا بس اول مرة اكتب تعليق .. مش عايزة ابان بمظهر المتشددة لكن ..
البوست جميل جدا و ممتع لكنى لم اتوقعه بصراحة و فى وقت زى ده
توقعت ان تكتب و لو جملة واحدة تعليقا على حادثة نجع حمادى اللى وجعت قلوبنا كلنا

dr.lecter said...

هو حاول يتخلص منها بس في اخر افلامه مقدرش حب يقدمه في مشهد سريع كنوع من الوداع الاخير

احمد مكي مش غبي علشان يكرر نفسه احنا اخدنا كفايتنا من دبور ومنكرش اني استمتعت به جدا وحبيناه زي محنا حبينا اللبمي بس كل حاجه لها حدود واظن ان قاراه كان صائب

micheal said...

عجبني جدا تحليلك للشخصية وبالذات نقطة أنها أول شخصية برجوازية يتعاطف معها الناس بس في رأيي كفاية عليها كده..يعني أنا عن نفسي مش بحب التكرار حتى لو كان نجح فيه إسماعيل بس وغيره لحد كبير
:)
تحياتي

Oss said...

كالعادة مقال رائع وتحليل أكثر من متميز
بس أخالفك الرأى واتفق مع من سبقونى

مكى ذكى فى قتل هيثم دبور
وله فى محمد سعد و إسماعيل يس عيرة

وده مايمنعش إنى هازعل على فراقه
الله يرحمك يا دبور
:D

على جنب
أنا أول مرة أفهم حوار السبابة والوسطى ده
:D
كنت فاكرها تريقة على الكلام اللى بيتقال
زى لما تكتب جملة بحروف كلها كابتال بالإنجليزى

تحياتى

Michel Hanna said...

HMH
ألف شكر على الإطراء الذي لا أستحقه
وفعلا المقال في كتاب هاستا مانانا!
انت نافذة البصيرة يا صديقتي :)

Michel Hanna said...

نادين: شكرا ليكي
مافيش حاجة ممكن تتكتب عن حادثة نجع حمادي
هنكتب نقول إيه غير "حاجة تقرف"؟

Michel Hanna said...

دكتور ليكتر وميشيل وأوس: بالإضافة طبعا لكل المعلقين اللي كلهم أجمعوا ان دبور لازم يموت، مع إنهم كلهم عاجباهم الشخصية.
يا جماعة الموضوع أبسط من كده
أنا باحب الشخصية وعايز أشوفها تاني.. إيه المانع انه يكمل ويفضل موجود من حين لآخر؟
الجمهور ده غدار قوي على فكرة ومالوش أمان!

Mai Kamel said...

معلش يا دكتور ممكن يبقى تعليقي هايف شوية
بس في اغنية كل زمان لما كان بيقول الله يرحمك يا دبور هو بيتكلم عن ابوه
هو اسمه هيثم دبور
فهو بيترحم على والده دبور مش بيموت هيثم دبور نفسه
:D
بس كدة

اما البوست نفسه بقى.. الصراحة انا مش معاك :))) ممكن مكي يقدم شخصيات مختلفة وحلوة كتير بس لو عمل هيثم دبور اكتر من كدة يمكن يفشل اوى والناس تكره هيثم دبور
زي اللمبي كدة
فعلى ايه؟؟

سيبك بقى من كل ده
انت ازيك؟
:D

Michel Hanna said...

مي: أنا الحمد لله :)
بالنسبة لإنه بيخاطب أبوه، فأعتقد ان مش صحيح
لأنه بيقول له لو كنت عايش كنت هتقول إيه، فرد دبور وقال يو يو يو!
أعتقد أبو هيثم ماكانش هيقول يويويو!
وعلى هذا نستنتج أنه هيثم نفسه!

Mai Kamel said...

ممممم
وجهة نظر برضه
:) ولله يمكن

ميشيل مجدى said...

كالعادة بوست رائع وتحليل زكى - بس أنا قرأت البوست ده من 6 شهور يا صديقى - وربنا يوفقك فى الكتاب الجديد وتحقق أكتر من ما بتتمنى يا أجدع صديق فى الدنيا

طارق عميرة Tarek Omyra said...

د. ميشيل
حابيب قلبي - دبورية
مقالة ممتعة جدًا والشخصية فعلاً لذيذَة
لكن بالنسبة لإستمراريتهَا فأعتقد غن موتهَا هيجبر أحمد مكي يختار أدواره بذكاء شديد بعد كدا والا هيرجع هيرجع
الف مبروك الكتاب يا ريس وهزورك في معرض الكتاب لازم نتقابل

J.L. said...

انا استمتعت جدا بكتابتك ووصفك الدقيق للشخصيه زى ما استمتعت بيها لما بتظهر ع الشاشه ..انت فعلا قوى الملاحظه و تعبيراتك جيده جدا و ف مكانها صح .. بالتوفيق يا دوك

Michel Hanna said...

شكرا ليكي يا جي إل :)
وشكرا للجميع اللي ما لحقتش أرد عليهم سابقا